ترويض النحل:
ترويض النحل:
وهو توجيه أفعال الطيران عند النحل بمنعكس شرطي نحو نباتات معسّلة خاصة بإطعامها شراباً معطراً برائحة أزهار تلك النبتة، فلقد أكدت التجارب أن إطعام النحل ليلاً شراباً حلواً معطراً برائحة الزيزفون أو إعطاءها عسل الزيزفون يجعل النحل يتوجه صباح اليوم التالي إلى أزهار الزيزفون!..
وهذه الطريقة البسيطة في أيدي النحالين لها أهميتها في الزراعة، إذ بتوجيه النحل نحو أزهار معينة يساعد على تلقيحها المتصالب وزيادة إنتاجها من الثمر، وليعلم أنه كلما كانت الرائحة التي تقدم للنحل أنقى كلما كان تدريبها أنجع، ويمكن عند انتهاء النحل المدرب من مهمته بالإلقاح تغيير مهمته بإطعامه شراباً آخر خلال بضع ليالٍ، ولا بد من إغلاق باب الخلية أثناء الترويض.
وقد أيدت تجارب أجريت في معهد النحالة الروسي أنه في نفس الوقت الذي يتمكن فيه الإنسان بترويض النحل أن يوجهه إلى أزهار نبت معين، يمكن أن يحول النحل بالترويض من أزهار أخرى. كما تبين أنه كلما كانت خلايا النحل أقرب إلى مصدر الرحيق كلما كان النحل أقدر على الإلقاح التصالبي لتلك الأزهار وعلى جمع كميات أكبر وأكبر من العسل.
إن ترويض النحل يفيدنا في الحصول على عسل ذو مصدر وحيد معروف علاوة على أنه يفيد في زيادة الإلقاح التصالبي لذلك النبات وزيادة إنتاجه من الثمر علاوة على أنه يزيد إلى حد ما من إنتاج الخلايا المدربة من العسل.
إن أول الاحتياجات الصحية في النحال هي النظافة، فأيدي النحال يجب أن تكون نظيفة دائماً، إذ يجب عليه أن يغسل يديه قبل أن يبدأ أي عمل في المنحل، وبعد انتهائه من العمل. وفي حال الشك بوجود تلوث في عشائر النحل، يجب أن يكون التغسيل بالماء الساخن مع الصابون واستعمال الفرشاة لذلك. وأن يتخلص من ماء الغسيل فوراً حتى لا يتسبب في عدوى جديدة.
ولإبعاد النحل عن ماء الغسيل يضاف إليه بضع قطرات من الكيروسين.
والعناية بالصحة ضرورية لكل إنسان لكنها أوجب بالنسبة للنحال، فرائحة العرق الكريهة تهيج النحل وتستثيره للدغ، وأحسن الملابس للعمل في المنحل بذلة بيضاء من قطعة واحدة وقبعة بيضاء. ويجب مراعاة النظافة التامة في المنحل، وتنظيف المكان من كل ما يلزم للعمل، كما أن الأجهزة المستعملة يجب أن تكون بحالة جيدة ونظافة دائماً.
والمنحل الذي تهمل رعايته لا يغل إيراداً مطلقاً –فهناك دائماً العشائر المريضة من النحل والضعيفة، وأخرى مصابة بقمل النحل، ولا شك أن لهذا أثره على إنتاج العسل، والمنحل الذي تراعى فيه الشروط الصحية يخلو من عتّة الشمع والقوارض والفطور والعفن.
وإمداد النحل بالماء مهم جداً من الناحية الصحية، فمن الثابت أن النحل يقوم بـ 7-15 رحلة يومياً لجمع الرحيق، وأقل من ذلك لجمع حبوب اللقاح، لكنها تقوم بحوالي 100 رحلة لجمع الماء. وتزيد حاجة النحل للماء في الربيع والصيف، أي في الوقت الذي يزيد فيه عبء تغذية اليرقات. وقد لوحظت حالات قذف فيها باليرقات خارج الأقراص نظراً لحاجته إلى الماء.
والخلية الغنية باليرقات بحاجة إلى 200-400 غ من الماء يومياً، فإذا لم يزود النحال نحله به في مكان المنحل فإن النحلات تضطر للقيام بآلاف الرحلات للبحث عن الماء، فضلاً عن أنه قد يحصل على الماء من أماكن غير نظيفة أو ملوثة، ويستحسن وضع برميل خشبي يملؤ ماءً، وله صنبور يخرج منه الماء تنقيطاً على لوحة خشبية مائلة. ولكي يسيل الماء ببطء تسمر قطع خشبية معترضة أو تصنع حفر صغيرة في اللوحة الخشبية.
ومن المستحسن إضافة قليل من الملح إلى الماء 5 غ لكل ليتر. ويجب ترك حرية الاختيار للنحل، لتختار بين الماء العذب والماء المالح. وقد اتضح أن 47% من النحل اختار الماء العذب، وعلى حين كان النحل يأخذ ماء ملوحته 0.5% فقد رفضت تماماً أن تأخذ ماء ملوحته 1%
.
النحلات –تلك المخلوقات العجيبة- أصدقاء حقيقيون لبني البشر، ومساعدون رائعون لهم في تقديم كل ما يجلب لهم الخير والسعادة والعافية. وهي الوحيدة من عائلة الحشرات التي تستطيع تخزين الرحيق من أجل الغذاء.
فهذه الحشرات الصغيرة تقوم بمهام جسام في حياة الإنسان. فهي علاوة على بنائها خلاياها بتلك الدرجة الرائعة من الدقة والتنظيم وتصنيعها للشمع والعسل وغيرها من المنتجات الهامة في تغذية الإنسان وشفائه من الأمراض وفي تمتعه بصحة جيدة وعمر مديد فإنها تقوم بتلقيح الأزهار في نفس الوقت الذي تقدم فيه بحركتها التي لا تفتر وعملها المستمر والدؤوب من غير كلل، أمثولة طيبة من صفات الإنسانية الراقية في التعاون بين أفراد المجتمع والذي يبرز إنكار الذات من أجل خدمة المجموع وتقاسم العمل بينها لخدمة المجتمع وحمايته واستمرار حياته. نعم! إنها الأمثولة الطيبة "كأن تكون مشغولاً شغل النحلة مقتصداً ومدبراً مثلها.. وكلما رنوت إليها متفحصاًَ إزداد إعجابك بها" [1]
فالنحلات تحول رحيق الأزهار إلى عسل، المنتج المعروف بقيمته الغذائية والعالية، وفوائده العلاجية والوقائية لكثير من الأمراض، والذي يكفيه من الفخر أن وصفه رب العزة في قرآنه العظيم بأن {فيه شفاءٌ للناس} وقد صنفنا فيه كتابنا "العسل فيه شفاء للناس" جمعنا فيه خبرات الأقدمين وتجارب جهابذة العلماء المحدثين، مضيفين إلى ذلك أبحاثنا السريرية حول هذه المادة القيمة. وقدمنا في كتابنا هذا خلاصة تكفي القارئ العادي ما يستفيد منه لتطبيقه في حياته العملية لمعالجة الكثير الكثير من الحالات المرضية الطارئة، فضلاً عن كونه منبع المواد السكرية الأكثر أهمية على مدى آلاف السنين. يقول المثل الفرنسي: "لكل سيّد مكانته.. والعسل سيد المحليات".
والنحل ومن أجل بنائه لبيته يفرز الشمع الذي يبني منه أقراص الشمع ذات العيون السداسية والتي يستخدمها مهداً لفراخه ثم يخزن بها ما صنعه من عسل وما جناه من غبار الطلع. وشمع العسل مادة ذات أهمية اقتصادية وطبية بالغة، فهو ويعتبر الأساس في أربعين صناعة هامة من كهربائيات والكترونيات وفي صناعة الجلديات والعطور، ويدخل أساساً لمواد التجميل الرائعة من رهيمات وأقنعة وحمرة شفاه وغيرها، ولصنع المراهم الجلدية واللصوقات الجلدية أيضاً.
والغذاء الملكي الذي تنتجه صبايا النحل غذاء مركز من الحموض الأمينية والفيتامينات والهرمونات يفيد الناقهين والضعفاء والشيوخ وله دور هام كمادة حيوية منشطة للجهاز العصبي والقدرة الجنسية وهو ناظم للضغط الدموي والذي يمكن أن ندعوه بحق "العقار الحيوي الطبيعي".
وفي الوقت الحاضر تعتبر النحلات الجانيات الماهرات لغبار الطلع، المنتج الغذائي المركز من البروتينات والفيتامينات، يكون منه النحل خبزه علاوة على كونه مادة دوائية تبدي العديد من الخصائص العلاجية الممتازة، ففيه مواد مضادة للحيوية وأخرى منشطة للنمو، وهو وناظم للوظيفة المعوية ومنشط لتكوين عناصر الدم، كما ثبت أنه علاج ممتاز لأورام البروستات السليمة والتهاباتها عند الشيوخ.
وسم النحل ذاك الذي فيه مظنة الضرر للإنسان أثبت الطب الحديث أنه العلاج النوعي للرثية الروماتيزم كما ثبت فائدته الجمة في التهابات الأعصاب بشتى أنواعها وله استطباباته النوعية في معالجة العديد من أمراض العين والأوعية الدموية. ثم إن النحل لا يلسع إلا دفاعاً عن النفس ولحماية مملكته، أوَليس في هذا فهماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم المعجز: المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيب.
والنحلات صيادلة هذا العصر وكل عصر تنتج غراء النحل "العكبر" والذي يفترض الدوائيون اليوم أنه سيدخل خزانة الأدوية المستقبلة من بابها العريض، إذ أن له استطبابات بدت جازمة في معالجة العديد من الأمراض سواء موضعياً لمعالجة الجروح والقروح، وفي الأمراض النسائية وآفات الطرق التنفسية، علاوة على كونه "القمة" بين أدوية الطب البيطري هذا فضلاً عن استعمالاته الصناعية إذ يحضر منه "الأنواع الممتازة من الغراء" والذي يستعمل في صناعة الأدوات الدقيقة كالآلات الموسيقية وغيرها.
وهكذا نرى كيف تحضر النحلات الصيدلانيات الملهمة من خالق الكون تلك العقاقير الممتازة التي ملأت بها خزانة الطب، والتي شغل بها الباحثون وأقيمت لدراستها المؤتمرات العالمية واستحدثوا لها فرعاً جديداً من فروع الطب أطلق عليه "طب النحالة" لكن هذا يشكل في الواقع جانباً واحداً من نشاط هذه الكائنات العجيبة في دنيا البشر. وفي الحقيقة فإن الدور الهائل الذي يلعبه "النحل" في إكثار المحاصيل الزراعية يصعب تقييمه، ذلك لأن مئات الأنواع النباتية تحتاج من أجل إنضاج ثمارها إلى ما يسمى بالإلقاح المتصالب الخلطي بنقل غبار الطلع من أكياسه إلى مياسم المدقات. هذا العمل الهام تقوم به الحشرات المختلفة، لكن النحل هو الأهم في هذا العمل الحيوي. وتدل الإحصائيات [2] على أن الدخل الذي يقدمه النحل لمالك الأرض الذي ترعى زهرها يفوق 7-8 مرات الدخل الذي يستفيده النحال مما ينتجه النحل من عسل وشمع وغذاء ملكي وسواها.
لقد كان العقل المفكر للإنسان [3] وعلى مدى قرون يحاول أن يفك اللغز وأن يتعرف على مهمة النحل الحقيقية فوق الأزهار وفي الظلام الدامس ضمن الخلية، ولقد أضحى معلوماً اليوم أن الأزهار والنحل لا يمكن أن يستمر وجود أحدهما دون الآخر، فبقاؤهما في هذا الكون مرتبط ومتلازم، ولم يعد النحل مجرد صانع للعسل، بل لقد عرفت اليوم مهمته الأزلية كملقحات مجنحات لأزهار البساتين والمروج ذلك الدور الزراعي الهام، والمنة الإلهية العظيمة التي نأكل نتاجها من الفواكه والخضار فبدون مشاركة النحلة فإن عدداً كبيراً من النباتات قد لا تثمر... رغم أن نتاجها هو مصدر الصحة ومنبع السرور للجميع.
فالنحل يقوم بمهمة التلقيح التصالبي الخلطي لأشجار الفاكهة [4] والزينة والخضار والمحاصيل الحلقية والعلنية والأزهار البرية فيضاعف من إنتاجها مما جعل العديد من المزارعين يقبلون على طلب النحل مما زاد في أرباح مربي النحل علاوة على زيادة وتحسين نوعية الإنتاج الزراعي.
فبالنسبة لمحصول القطن يعتبر النحل عاملاً مهماً في الإلقاح التصالبي للقطن يزيد في إنتاجه بنسبة تصل إلى 30-35% ويحددها بعض المؤلفين بأكثر من 50%.
أما أشجار التفاح فيؤلف النحل 82% من الحشرات التي تزورها لهذه المهمة. وليعلم أن 17% من أزهارها تبقى غير ملقحة ولن تثمر إذا لم يزرها النحل. ويكفي لحقل من أشجار التفاح مساحته 2 هكتار خلية واحدة لإتمام تلقيحها بشكل كامل.
وأشجار الأجاص يزيد إنتاجها بنسبة 5% عند وجود خلية نحل في جوارها، وتكفي خمس خلايا من النحل لتلقيح هكتارين من حقل أشجار اللوز بشكل جيد.
والبصل تلقيحه خلطي أيضاً ويزيد النحل من إنتاجها بنسبة 35% إلا أن العسل الناتج يحمل رائحة البصل والتي تزول خلال شهرين من تخزينه وتشميسه.
وللنحل أهمية في تلقيح أزهار الحمضيات وزيادة إنتاجها بفارق كبير علماً بأن عسل الحمضيات وخاصة البرتقال ذو رائحة وطعم لذيذين.
وبالنسبة للقثائيات "البطيخ بأنواعه" والقرع والكوسا والخيار فإن إنتاجها يتضاعف مرات ومرات "أوصلها بعض المؤلفين إلى 9 مرات" عند وجود خلايا النحل وسط حقوله. ففي إحدى التجارب على مزارع الخيار لم تثمر من أصل 977 زهرة سوى 3 لعدم وجود مناحل قريبة، وعندما وضع النحل أثمرت 784 زهرة من 831 زهرة. وكذلك فإن نتاج حقول اللفت والفجل والملفوف من البذور يتضاعف إذا كانت موجودة ضمن دائرة طيران النحل.
أما البرسيم فإن إنتاجه من البذور يتضاعف 2.5 مرة عند وجود النحل. وبذور عباد الشمس تتضاعف أيضاً كميتها قرب المناحل.
أما حقول القمح والشعير والذرة فأهمية النحل قليلة بالنسبة لها، إذ أن نسبة 95% من إلقاحها إلقاح ذاتي، ويبقى 5% فقط إلقاح تصالبي يمكن للنحل أن يساهم فيه. ونفس الأمر بالنسبة للعنب والشوندر السكري والسلق.
وينظر كثير من العلماء والباحثين إلى النحل اليوم ليس كمجرد مصنع حي ينتج ما ينتج من أغذية وعقاقير وليس لمجرد دورها الهام في إلقاح الأزهار وزيادة الإنتاج الزراعي وإنما من زاوية أخرى مهمة وهي عمل النحالة نفسه إذ من الصعب أن نقيم بإنصاف العمل الممتع والفتان مع النحل، في الهواء الطلق بين روائح الزهور العطرة، وتناوله المستمر لمنتجاته من عسل وغذاء ملكي وغيرهما، وحتى تعرضه للسع النحل كلها تشكل عوامل منشطة للعضوية تزيد في مناعتها ضد الأمراض، مما حدا بالكثير من العلماء اعتبار المنحل كمشفى أو مصح طبيعي رائع وخاصة لنوعية من الناس ممن يشكو الإرهاق العصبي والمقعدين والعجزة من معاقي الحروب وغيرها والمتقاعدين والمسنين، فالعمل في المنحل في نظرهم نوع من المعالجة التعويضية بالعمل المناسب.
وبعبارة أخرى فإن تربية النحل عمل ممتع وفيه نفع كبير لأولئك الأشخاص الذين لا يصلحون للأعمال الجسمانية الصعبة ويزيد نفعه للأشخاص المتوتري الأعصاب، فهو عمل خفيف يستفيد صاحبه من الهواء الطلق والمهدئ للجهاز العصبي.
تعليقات
إرسال تعليق