جمع الرحيـق
جمع الرحيـق
جاء في معجم المحيط أن الرحيق : ضَرْبٌ من الإفرازات المأخوذةِ من عُصارة الأزهار؛ يمتصُّ النَّحلُ رَحيقَ الأزهار.
وتعني كلمة رحيق nectarباللاتينية: شراب الآلهة، والتي يرجع أصلها للغة اليونأنية ν?κταρ، وقد استعملت الكلمة أول مرة بمعناها "سائل الزهور الحلو " في عام 1609 م .
الرحيقتعريفاً من الناحية النباتية: هو إفراز الغدد الرحيقية والأنسجة النباتية، سواء من الغدد الرحيقية الزهرية في الكأس الزهرية، كما في اليانسون والزعتر مثلاً، أم من غدد رحيقية على الأوراق كما في الكرز والقطن. وللتوضيح نعرِّف الطل العسلي، والندوة العسلية .
- الطل العسلي: مادة سكرية تنتج من بعض النباتات الحيّة التي توجد طبيعياً فيها، أو تنتج من جروح في أنسجة النبات أحدثتها الحشرات أو غيرها، و هي عبارة عن " عصير " مفرزة من بعض النباتات أو الأشجار مثل الصنوبر والبلوط ... إلخ خصوصاً في الربيع خلال الأيام الحارة. هذا النوع من الإفرازات يأتي من النباتات بخاصية فيزيولوجية عادية.
- الندوة العسلية: تعني الإفرازات التي تأتي على سطح الجذع بفضل حشرات خاصة تسمى "الأرقات" التي تقرص الأوراق بطريقة "البعوض" في بحثها عن الغذاء. هذا العصير المستحصل عليه من طرف الحشرات غني بالكربوهيدرات والمعادن وكذلك يجذب النحل مثل (افرازات حشرة الدوباس وحشرة المن). وتحتوي هذه الندوة على مكونات الرحيق نفسها ولكنها يمكن أن تحتوي أيضا على سكر التريهالوزtrehalose( سكر ثنائي يعد سكر الهيمولمف في معظم أنواع الحشرات ) والسكر الثلاثي ميليزيتوز melezitose .
مكونات الرحيق
رحيق الأزهار بشكل عام وفي المتوسط من حوالي 60% ماء و35% سكر سكروز sucroseوبعض السكريات الأخرى ويختلف المحتوى المائي في الرحيق اختلافاً كبيراً باختلاف النبات فمثلاً رحيق أزهار الكمثرى pearيحتوى على كمية قليلة من السكريات حوالي 15% لذلك نجد أن النحل قليل الإنجذاب اليها ويسبب ذلك صعوبة في تلقيح هذه الأزهار حيث يتم وضع حوالي 5 طوائف أو أكثر لكل هكتار لضمأن إتمام التلقيح. وكثير من النباتات يحتوى رحيقها على 40-50% سكر, ولذلك تكون جذابة جداً لنحل العسل. وعلى هذا الأساس فأن الرحيق زيادة على الماء الذي يحتويه فإنه يحتوى في معظمه على السكر وأيضاً على كميات صغيرة من مواد أخرى تكسبه النكهة الخاصة التي تدل على المصدر الذي أتى منه العسل. وتشتمل هذه المواد على الأحماض العضوية Organic acidsوالزيوت الطيارة volatile oilsوالسكريات العديدة Polysaccharidesوالبروتينات Proteinsوالأنزيمات enzymesوالألكالويداتAlkaloids.
والثلاث سكريات الأساسية في الرحيق هى السكروز والفركتوز والكلوكوز, أما السكريات الموجودة بنسب قليلة فهى (المالتوز maltoseوالرافينوز raffinoseوالميليبيوز melibioseوالتريهالوز trehaloseو الميليزيتوز melezitose).
وتختلف سلالات النوع النباتى الواحد في تركيز السكر في رحيق أزهارها, حتى أن الزهرة الواحدة قد تتذبذب نسب السكر في رحيقها كنتيجة لتعرضها للرياح والأمطار والتغيرات في درجة الحرارة والرطوبة النسبية, لذلك فإن جاذبية أزهار نوع معين من النباتات قد تختلف تبعاً لإختلاف الوقت في اليوم الواحد وكذلك تبعاً للأطوار المختلفة التزهير وكذلك تبعاً لعمر الزهرة والرحيق الذي يجمعه نحل العسل ينقص تركيز السكر فيه بمقدار 1% عندما تكون الشغالات في طريقها للخلية وتفسير ذلك أن الشغالة تقوم بتخفيف الرحيق باللعاب ويظهر تأثير التخفيف كلما زاد تركيز السكر في الرحيق.
و يُنتج الرحيق من خلال الغددالرحيقية / أنسجة افراز الرحيق وهي الجزء المسؤول عن أنتاج الرحيق في الزهرة ، وقد توجد في عدة أجزاء من الزهرة بما فيها والبتلات والسبلات وقواعد خيوط الأسدية وعضو التأنيث بالزهرة (المتاع), أو غدد رحيقية إضافية على الأوراق كما في الكرز والقطن.
والغدد الرحيقية غدد افرازية لها خصائصها وذات ميتابوليزم نشط حيث تقوم الغدد الرحيقية بعمليـة فسيولجية معقدة لإنتاج الرحيق وذلك بالمواد التي تتزود بها من عصارة اللحاء, ويتأثر إفراز الرحيق بنضج الميسم والأسدية , كما يتأثر أيضاً وغالباً بعمر الزهرة وعادة ما يكون الإفراز غزير في اليوم الأول أو الأيام القليلة الأولى من عمر الزهرة, وفترة إفراز الرحيق في بعض الأنواع محدودة جداً.
ودرجة الحرارة المبدئية لإفراز الرحيق تعد ضرورية كما أن درجة الحرارة الأعلى التي تسبب توقف إفراز الرحيق أيضاً تختلف في الأنواع المختلفة وتساعد في تحديد الأماكن التي تزرع فيها المحاصيل المختلفة بصورة تجارية.
وبصرف النظر عن درجة الحرارة فأن إفراز الرحيق يكون غزيراً في الأيام المشمسة عن الأيام الغائمة. حيث يعكس ذلك حقيقة تنص على أن الرحيق عبارة عن نواتج للتمثيل الضوئى التي تتأثر بضوء الشمس.
كما أن نسبة الرطوبة في التربة والضغط الجوى وحجم الغدة الرحيقية ووضع الزهرة على النبات قد تؤثر أيضاً في كمية الرحيق المفروز
ويمكن حساب كمية العسل المتوقعة من مساحة معينة والتي تسمى بالـ honey potentialوذلك كما يأتي:
كمية العسل المتوقعة= كمية الرحيق الذي تنتجـه الزهرة في اليوم* متوسط عدد الأزهار على النبات* عدد النباتات المنزرع * متوسط عدد أيام الأزهار, والقيمة الناتجة تضرب في 0.70 حيث أن النحل يستهلك تقريباً حوالي 30% مما يجمعه في نشاط الطيران.
مثال:نبات عباد الشمس تنتج الزهرة في السلالات المختلفة كمية تتراوح من 0.4 – 0.6 ملليجرام رحيق في اليوم بتركيز سكري يتراوح بين 48: 57%, ويحمل النبات في الرأس الواحدة مـن 1000 : 2000 زهرة فقد قام كل من Mitchenerسنة 1950و Burnistorسنة 1965 في كل من الولايات المتحدة وروسيا بتقدير كمية محصول العسل من هكتار مزهر بعباد الشمس بحوالي 47 كيلوجرام عسل في 15 يوم إزهار من آواخر أغسطس إلى أوائل سبتمبر.
كيف يجمع النحل الرحيق ؟
بعض الشغالات تجمع الرحيق فقط ، وبعضها يجمع حبوب اللقاح فقط، وبعضها الآخر يجمع الاثنين معاً , ويخرج في الصباح نحل الاستطلاع الأكبر عمراً التي تكون نسبتها 5-20 % في الخليةتبحث عن الزهور مستدلةً عليها بشكلهاورائحتها، وتجمع منها الرحيق بواسطة خرطومها الماص, فهي تسرح لمسافات تصل إلى 10 كم عند عدم وجود لمصادر الغذاء و2-3 كم حين توفره لتعود حاملة معها الغذاء ومصدره بالتحديد للإستدلال عليه .
وبناءً على هذه المعلومات يكيف نحل العسل نفسه على أوقات الخروج خلال اليوم الذي يتم فيه إنتاج الرحيق, أما فيما يخص نوع نباتى معين وعند اقتراب الميعاد اليومى الذي يتوفر فيه الرحيق فأن النحل يحتشد قرب مدخل الخلية استعداداً للقيام بزيارة الأزهار .
الشغالة السارحة الجامعة للرحيق فقط تجعل أرجلها الخلفية بعيدة عن بعضهما وتكون معلقتين في استرخاء على جانبي البطن, وإذا كان حجم الزهرة يسمح بالوقوف عليها فإن النحلة تحط داخل الزهرة, ولكن إذا كانت الزهرة صغيرة الحجم مثل زهرة البرسيم الحلو فإن النحلة تحط على أي جزء قريب منها يمكنها الوقوف عليه.
وقد قدم Howardوزملاءه سنة 1916 وصفاً رائعاً لطريقة زيارة نحلة لزهرة الـ Brassicajuncea(الخردل) حيث ذكر أنه عندما تحط النحلة على الزهرة فأنها تدفـع لسأنها بين الأسدية الطويلة والقصيرة لتصل إلى الغدة الرحيقية على الجانب القريب منها وفي أثناء آدائها لذلك فإنها تلمس متك الأسدية القصيرة وعندئذ تمر فوق قمة الزهرة لتصل إلى غدة رحيقية داخلية أخرى وبينما تندفع لأسفل بين الأسدية القصيرة والطويلة فإنها تلمس الميسم بصدرها المغطى بحبوب اللقاح.
ويسترشد النحل بالرسائل التي يتركها زوار الأزهار السابقون لتكون بمثابة معلومات لمن يأتي بعدهم , يوجد كثير من النحل السارح على الطريق في منطقة جني الرحيق وتحتاج بعض الأزهار إلى وقت لملأ خزان الرحيق الذي أصبح فارغاً ونحلة السروح التي تأخذ آخر نقطة رحيق تضع علامة على الزهرة تحمل إشارة كيميائية وكأنها تريد أن تقول "فارغ" وهذه الإشارة الكيميائية تذبل بذات السرعة التي تملأ فيها الزهرة مستودع الرحيق , وقد وجد أن زيارة النحلة أو أي حشرة تجمع الرحيق للزهرة قد تزيد من إفراز الرحيق, حيث وجد أن الأزهار التي أزيل منها الرحيق 3 مرات في اليوم أنتجت سكراً أكثر من الأزهار التي أزيل منها الرحيق مرة واحدة في اليوم.
وبسبب صعوبة متابعة أو تعقب النحلة خلال رحلتها الكاملة لذلك لاتتوفر نتائج دقيقة عن عدد الأزهار التي تزورها من أجل حمولة رحيق واحدة, ولكن حساب ذلك تم بناءً على نتائج غير كاملة بينت أنه لتجميع حمولة واحدة من رحيق الأزهار فأنه ينبغى زيارة مئات من الأزهار كما في حالة البرسيم الحلو, أما في الأنواع النباتية التي تجمع فيها النحلة حمولة الرحيق من اٌقل من 100 زهرة فإن رحيقها يكون عالي الجاذبية للنحل كما يتم فيها تأمين الحصول على حمولات كبيرة في وقت قصير نسبياً, ويعتمد حجم حمولة الرحيق على مدى غزارة أو ندرة وجود الرحيق ونوعه ويقدر أن النحل يحتاج لجمع (1 كغم ) من العسل يجب عليه القيام بحوالي (120-150) ألف رحلة يزور فيها حوالي عشر ملايين زهرة !
وقد حدد Parkسنة 1928 متوسط الوقت الذي تستغرقه الشغالة في جمع حمولة رحيق من البرسيم الحلو بـ 27: 45 دقيقة في الرحلة الواحدة ويعتمد ذلك على مدى فيض الرحيق. في حين أن Ribbandsسنة 1949 أوضح أن النحل يعمل من 106 إلى 150 دقيقة للحصول على حمولة رحيق واحدة من أزهار الـ Limnanthes. وفي معظم الأحوال فأن الوقت الذي تقضيه النحلة في داخل الخلية بين الرحلة والأخرى هو 4 دقائق.
وأعلى عدد للرحلات التي قامت بها الشغالة في اليوم لجمع الرحيق كأن 24 رحلة ولكن المتوسط كأن من 7: 13 رحلة في اليوم معتمداً على حالة فيض الرحيق .
واختلف كثير من الباحثين في تحديد وقت إنتاج الرحيق و معدله ونسبة السكر فيه وكمثال على ذلك فأن Meyerhoffسنة 1958 وجد أن إنتاج الرحيق يكون عالياً في الصباح وينخفض في منتصف اليوم ويصبح عالى مرة أخرى وقت العصر, في حين أن Radchenkoسنة 1964 أوضح أن معدل إفراز الرحيق والمحتوى السكري يزداد كلما اتجهنا إلى نهاية اليوم, وأن Maksymiukسنة 1958 بين أن أزهار اللفت Rapeأعطت كمية من الرحيق متوسطها 9.3 ملغم لكل زهرة بمحتوى سكري قدره 32% في سنة 1956 في حين أنه في سنة 1957 كـان متوسط إنتاجها من الرحيق 11.7 ملغم بمحتوى سكري قدره 39% وأن الأزهار التي أزيل عنها الرحيق ثلاث مرات في اليوم بدلاً من مرة واحدة أعطت إنتاج رحيق متوسطه 26.7 ملغم بمحتوى سكري 35%.
وقد أوضح Shawوزملاؤه سنة 1954 أنه في خلال النهار 52% من النحل الذي يزور البرسيم الأبيض white cloverيجمع رحيقاً فقط و 8% يجمع حبوب لقاح فقط في حين 28% يجمع رحيق وحبوب لقاح معاً وأن 12% لم تجمع شيئاً عند فحصها. في حين أنWeaverسنة 1965 أوضح أن النحل الجامع للرحيق وحبوب اللقاح في الوقت نفسه كانت متوسط حمولته من حبوب اللقاح 5.2 ملغم ومتوسط حمولته من الرحيق 37.3 ملغم في حين أن النحل الذي جمع رحيقاً فقط كانت متوسط حمولتـه 37.9 ملغم, وأوضح Showسنة 1953 و Montgomeryسنة 1958 أن متوسط تركيز السكر في رحيق البرسيم الأبيض يتراوح من 37- 44%.
أيضاً بين Weaverسنة 1965 أن زهرة البرسيم الأبيض تحتوى على 0.02 إلى 0.08 ميكروليتر من الرحيق بتركيز سكري من 42-65%, كما بين أن نحل العسل يزور حوالي 18: 19 زهرة في الدقيقة. وحسب على أساس أن الزهرة تحتوى على 0.8 ميكروليتر رحيق أن النحلة تحتاج إلى 26 دقيقة لجمع حمولة متوسطة من الرحيق.
ومع عدم توفر الرحيق الطبيعي فالنحل يقوم بامتصاص العصارة الحلوة من بعض أنواع ثمار الفاكهة زائدة النضج أو الثمار المجروحة وقد يجمع النحـل أيضاً عسل الندوة honeydewالتي تقوم بإفرازها بعض الحشرات مثل المن وبعض الحشرات القشرية, وإذا تصادف وجود منحل بالقرب من مصانع السكر والحلويات فأنه أيضاً يحاول جمع بعضاً منها .
ووجد أن أكبر حمولات للرحيق تزن في المتوسط حوالي 70 ملغ أي تزن 85% من وزن النحلة نفسها ( وزن النحلة 90 ملغ) أما في حالة النحل الإيطالى فقد وجد أن وزن الحمولة الكبيرة تكون حوالي 82 ملغ, أما متوسط وزن حمولة الرحيق خلال موسم الفيض فهو حوالي 40 ملغم والشغالة المحملة بالرحيق تدخل الخلية وتتحرك إلى مكان بين الشغالات الأخريات على القرص, فإذا كان فيض الرحيق قليلاً فإنها تمشي حتى تقابل شغالة منزلية وتعطيها جزءاً من حمولتها, وأحياناً تعطى حمولتها بالكامل إلى شغالة منزلية واحدة ولكن في كثير من الأحيان فأنها توزع حمولتها على ثلاث شغالات منزلية أو أكثر.
أما إذا كأن فيض الرحيق غزيراً فأن الشغالة المحملة بالرحيق عادة ما تؤدى الرقصة الخاصة بتوصيل المعلومات عن مصدر الرحيق, وعلى فترات غير منتظمة توقف الشغالة الرقص وتقدم عينات من الرحيق إلى الشغالات الحقلية القريبة منها لتعرفها بمذاقه و رائحته, ولكنها بعد ذلك تقابل شغالة منزلية حيث تعطيها الجزء الكبير من حمولتها , وبافتراض أن الشغالة المنزلية المقتربة منها غير محملة بكامل طاقتها بالرحيق فأنها تمد خرطومها بطوله الكامل وترشف الرحيق من بين الفكوك العليا للشغالة السارحة, وبينما يتم انتقال الرحيق بهذه الطريقة فأن قرون استشعار كلتا الشغالتين تكون في حركة مستمرة, ويصطك أحد زوج قرني الإستشعار لنحلة بالأخرى بشكل مستمر, وفي الوقت نفسه فإن الشغالة المنزلية قد تشاهد وهى تدق على خدود الشغالة الحقلية برسغ أرجلها الأمامية, وهذا قد يكون منبهاً لتفريغ الحمولة.
وبعد أن تتخلص الشغالة الحقلية من حمولتها من الرحيق فأنها أحياناً تغادر الخلية إلى الحقل في الحال, ولكنها في الغالب تتوقف لوقت ما بما فيه الكفاية لتناول جزء صغير من الغذاء.
تعليقات
إرسال تعليق